يفضل بعض البشر في هذا الوجود [ العزلة ] عن محيطهم الاجتماعي، لأسباب مختلفة، قد يكون بعضها راجعاً إلى الخوف من الناس، واتقاء لشرهم، وقد يفضل آخرون هذا الخيار لغريزة داخلية في أنفسهم، تجعلهم يفضلون العزلة على مخالطة غيرهم من الناس، ذلك أنهم يشعرون بسكون الحياة وبساطتها وبخفة التزاماتها، مما لو خالطوا غيرهم من جنسهم حملوهم بما لا يرغبون أو يطيقون حمله . يقول الأديب طـه حُسين في كتابه الشهير [ مع أبي العلاء المعري في سجنه ] في معرض حديثه عما كان يستطيع أن يفعله المعري اجتماعياً لو أراد: (كل هذا كان ميسوراً لولا أن أبا العلاء لم يكن مهيئاً له، لأنه كما قال قد خلق انسي الولادة وحشي الغريزة. كان طبعه يعده للعزلة ويهيئه للانفراد . وجاءت هذه الآفة [ يقصد الكاتب آفة فقد البصر حيث كان المعري كفيفاً ] فأمدت هذا الطبع وقوته وجعلت تأثيره في حياته أشد وأعظم مما لو أتيح له الإبصار)... ويقول طه حسين في موضع آخر:( من أشد ما يملأ قلوبنا إشفاقاً على أبي العلاء هذه الحرب العنيفة المتصلة التي ثارت بين طبيعته الإنسانية وغريزته الوحشية طيلة ثلاثين عاماً، والتي لم تنته إلا حين أزمع العودة إلى بغداد وانتهت ب