التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العُزلة غريزة وحشية أم مرضٌ نفسي [ المعري مثالاً ]



يفضل بعض البشر في هذا الوجود [ العزلة ] عن محيطهم الاجتماعي، لأسباب مختلفة، قد يكون بعضها راجعاً إلى الخوف من الناس، واتقاء لشرهم، وقد يفضل آخرون هذا الخيار لغريزة داخلية في أنفسهم، تجعلهم يفضلون العزلة على مخالطة غيرهم من الناس، ذلك أنهم يشعرون بسكون الحياة وبساطتها وبخفة التزاماتها، مما لو خالطوا غيرهم من جنسهم حملوهم بما لا يرغبون أو يطيقون حمله .
يقول الأديب طـه حُسين في كتابه الشهير [ مع أبي العلاء المعري في سجنه ] في معرض حديثه عما كان يستطيع أن يفعله المعري اجتماعياً لو أراد: (كل هذا كان ميسوراً لولا أن أبا العلاء لم يكن مهيئاً له، لأنه كما قال قد خلق انسي الولادة وحشي الغريزة. كان طبعه يعده للعزلة ويهيئه للانفراد . وجاءت هذه الآفة [ يقصد الكاتب آفة فقد البصر حيث كان المعري كفيفاً ] فأمدت هذا الطبع وقوته وجعلت تأثيره في حياته أشد وأعظم مما لو أتيح له الإبصار)...
ويقول طه حسين في موضع آخر:( من أشد ما يملأ قلوبنا إشفاقاً على أبي العلاء هذه الحرب العنيفة المتصلة التي ثارت بين طبيعته الإنسانية وغريزته الوحشية طيلة ثلاثين عاماً، والتي لم تنته إلا حين أزمع العودة إلى بغداد وانتهت بانتصار الغريزة الوحشية على الطبيعة الإنسانية الاجتماعية) .
هل الميل للعزلة عن المحيط الاجتماعي، بدرجات متفاوتة، هو نتاج غريزة وحشية كما يسميها طه حسين أو لنقل جينات معينة، أم أنه يدخل في باب الأمراض النفسية التي يبتلى بها بنو البشر ! ؟













تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

برتراند راسل: ما الذي عشت من أجله؟

الصديق بهاء أبو زيد يُترجم لنا مقطعاً مضافاً لبرتراند راسل وهو في عُمر 84 عاماً، إلى الطبعة الجديدة من سيرته الذاتية، فلنقرأ ما كتب وتُرجم عنه: ثلاثة مشاعر، بسيطة لكنها غامرة بقوة، تحكمت في حياتي: اللهفة للحب، البحث عن المعرفة، والشفقة التي لا تطاق لمعاناة البشر. هذه المشاعر، مثل العواصف العظيمة، عصفت بي هنا وهناك، في مسار صعب المراس، على محيط عميق من الكرب، يصل إلى حافة اليأس البعيدة. سعيت للحب، أولًا، لأنه يأتي بالبهجة الشديدة – والبهجة شيء عظيم لدرجة أنني مستعد أن أضحى بباقي عمري من أجل ساعات قليلة من هذه السعادة. سعيت إليه، ثانيًا، لأنه يخفف الوحدة – هذه الوحدة الشنيعة التي تجعل الوعي المرتعش للشخص ينظر من على حافة العالم إلى الجحيم البارد المبهم الخالي من الحياة. سعيت إليه، أخيرًا، لأنه بالتوحد مع الحب رأيت، بصورة صوفية، الرؤية المتنبئة للجنة التي تخيلها القديسين والشعراء. هذا ما كنت أسعى إليه وبرغم أنه ربما يبدو جيدًا جدًا بالنسبة لحياة بشرية، هذا هو ما وجدته، أخيرًا. بشغف مساوي سعيت إلى المعرفة. تمنيت أن أفهم قلوب البشر. تمنيت أن أعرف لماذا تلمع النجوم. وحاولت أن أ

في وداع مجلس الشورى

 تمضي أعمارنا كومضات. في 1 أغسطس 2005م بدأت أول يوم عمل لي في مجلس الشورى. لقد كانت البداية ، كعادة البدايات، متحمسة. طُلب من أحد الموظفين المتمكنين، والذي سيصبح مديراً لي في بعض السنوات، أن يصطحبنا نحن الذين كنا نُعرف - وقتها- بالموظفين الجدد، في جولة عامة لأقسام المجلس. ببعد نظره كان يحذرنا من الحماسة البالغة التي قد تنتهي بنا إلى خيبات أملٍ وطرقٍ مسدودة، وهو الأمر الذي خبرناه في سنواتٍ لاحقة من حياتنا الوظيفية. بالنسبة لي، كان العمل في مجلس الشورى مدرسة حياتية متكاملة، فقد ساقتني الأقدار للعمل في تقسيماتٍ إدارية مختلفة بالمجلس، فمن اللجان باجتماعاتها المملة غالباً والمثرية أحيانا، إلى شعبة العلاقات الخارجية حيث تطغى الكلمات المحسوبة على المنفلتة، والمجاملات على المصارحات، والسفر على الإقامة،  مروراً بدائرة الشؤون القانونية، التي علمتنا كيف نمشي على حبلٍ مشدود تعلوه السماء وتقبع تحته هوةٌ سحيقة، ونهاية بالأمانة العامة المساعدة للجلسات والدعم البرلماني، حيث تتضح بيادق رقعة الشطرنج في داخل المجلس وخارجه. لقد كان من المُسلي، والمُحزن في نفس الوقت، على امتداد الأيام والأشهر والسنوات، مشا

إصدار جديد للدكتورة فاطمة الشيدي

صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر كتاب [ المعنى خارج النص، أثر السياق في تحديد دلالات الخطاب ] للدكتورة فاطمة الشيدي، ومن المتوقع أن يعرض الكتاب بشكلٍ رسمي في معرض مسقط الدولي للكتاب المزمع عقده في نهاية شهر فبراير القادم، جديرٌ بالذكر أن هذا العمل هو الأول في النقد الأدبي للدكتورة، بعد عملها الروائي [ حفلة الموت ] .