التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في وداع مجلس الشورى


 تمضي أعمارنا كومضات. في 1 أغسطس 2005م بدأت أول يوم عمل لي في مجلس الشورى. لقد كانت البداية ، كعادة البدايات، متحمسة. طُلب من أحد الموظفين المتمكنين، والذي سيصبح مديراً لي في بعض السنوات، أن يصطحبنا نحن الذين كنا نُعرف - وقتها- بالموظفين الجدد، في جولة عامة لأقسام المجلس. ببعد نظره كان يحذرنا من الحماسة البالغة التي قد تنتهي بنا إلى خيبات أملٍ وطرقٍ مسدودة، وهو الأمر الذي خبرناه في سنواتٍ لاحقة من حياتنا الوظيفية.

بالنسبة لي، كان العمل في مجلس الشورى مدرسة حياتية متكاملة، فقد ساقتني الأقدار للعمل في تقسيماتٍ إدارية مختلفة بالمجلس، فمن اللجان باجتماعاتها المملة غالباً والمثرية أحيانا، إلى شعبة العلاقات الخارجية حيث تطغى الكلمات المحسوبة على المنفلتة، والمجاملات على المصارحات، والسفر على الإقامة،  مروراً بدائرة الشؤون القانونية، التي علمتنا كيف نمشي على حبلٍ مشدود تعلوه السماء وتقبع تحته هوةٌ سحيقة، ونهاية بالأمانة العامة المساعدة للجلسات والدعم البرلماني، حيث تتضح بيادق رقعة الشطرنج في داخل المجلس وخارجه.

لقد كان من المُسلي، والمُحزن في نفس الوقت، على امتداد الأيام والأشهر والسنوات، مشاهدة الغرائز البشرية الصافية، والدارونية الإجتماعية، في البحث عن السلطة والمال والأضواء، وحب الوطن في بعض الأوقات. مسرحٌ كبير على امتداد 365 يوماً في السنة، تتأمل في ضجرٍ مكشوف، الصراخ، حرق الأعصاب، القرارات السريعة الغير متماسكة، عدم فهم الطرف الأول، عدم رغبة الطرف الثاني، قلة الإكتراث، وأشياء أخرى.

يبدو واضحاً، مدى هشاشة ما يسمى المجتمع المدني في عُمان، فبمجرد أن ترفع اليد الناظمة له تأثيرها، يغرق في الفوضى والنزاعات، وتحل القوى التقليدية سواء كانت قبلية أو دينية، محل القوى الأخرى التي يمكن أن تدفع - نوعاً ما - الأشخاص والأشياء للأمام. بكل تأكيد الصورة الأعم تفائلية على نحوٍ خطير، حيث تتأمل في صمت إن كانت 100 سنة قادمة كافية لخلق مجتمعٍ معتمدٍ على نفسه، يعيش في الحاضر بدلاً من الماضي، يؤمن بالعلم بدلاً من الخرافة، يعتقد بدولة القانون والمؤسسات أكثر من اعتقاده بدولة الرجال أوالنساء.

في 4 مارس 2021 ودعت مجلس الشورى للمرة الأخيرة، متمنياً التوفيق لجميع من عرفتهم فيه أو بسببه، وهو يستحق أن تُروى تجربة العمل فيه، في كتاب. لربما يسأل قارئ: ولم؟ يؤرخ الناس تجاربهم آملين أن يقرأها أحدٌ بعدهم فيستفيد منها، ويتجنب ما وقع فيه الكُتاب من أخطاء، فالحياة البشرية لم تكن ستتطور إلى ما هي عليه الآن من تقدم وتمدن لو لم يصاحبها طوفان من الأخطاء المتراكمة التي استفادت منها الأجيال اللاحقة.


# حظر ليلي

# كوفيد 19

5 إبريل 2021م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

برتراند راسل: ما الذي عشت من أجله؟

الصديق بهاء أبو زيد يُترجم لنا مقطعاً مضافاً لبرتراند راسل وهو في عُمر 84 عاماً، إلى الطبعة الجديدة من سيرته الذاتية، فلنقرأ ما كتب وتُرجم عنه: ثلاثة مشاعر، بسيطة لكنها غامرة بقوة، تحكمت في حياتي: اللهفة للحب، البحث عن المعرفة، والشفقة التي لا تطاق لمعاناة البشر. هذه المشاعر، مثل العواصف العظيمة، عصفت بي هنا وهناك، في مسار صعب المراس، على محيط عميق من الكرب، يصل إلى حافة اليأس البعيدة. سعيت للحب، أولًا، لأنه يأتي بالبهجة الشديدة – والبهجة شيء عظيم لدرجة أنني مستعد أن أضحى بباقي عمري من أجل ساعات قليلة من هذه السعادة. سعيت إليه، ثانيًا، لأنه يخفف الوحدة – هذه الوحدة الشنيعة التي تجعل الوعي المرتعش للشخص ينظر من على حافة العالم إلى الجحيم البارد المبهم الخالي من الحياة. سعيت إليه، أخيرًا، لأنه بالتوحد مع الحب رأيت، بصورة صوفية، الرؤية المتنبئة للجنة التي تخيلها القديسين والشعراء. هذا ما كنت أسعى إليه وبرغم أنه ربما يبدو جيدًا جدًا بالنسبة لحياة بشرية، هذا هو ما وجدته، أخيرًا. بشغف مساوي سعيت إلى المعرفة. تمنيت أن أفهم قلوب البشر. تمنيت أن أعرف لماذا تلمع النجوم. وحاولت أن أ

إصدار جديد للدكتورة فاطمة الشيدي

صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر كتاب [ المعنى خارج النص، أثر السياق في تحديد دلالات الخطاب ] للدكتورة فاطمة الشيدي، ومن المتوقع أن يعرض الكتاب بشكلٍ رسمي في معرض مسقط الدولي للكتاب المزمع عقده في نهاية شهر فبراير القادم، جديرٌ بالذكر أن هذا العمل هو الأول في النقد الأدبي للدكتورة، بعد عملها الروائي [ حفلة الموت ] .