التخطي إلى المحتوى الرئيسي

برتراند راسل: ما الذي عشت من أجله؟

الصديق بهاء أبو زيد يُترجم لنا مقطعاً مضافاً لبرتراند راسل وهو في عُمر 84 عاماً، إلى الطبعة الجديدة من سيرته الذاتية، فلنقرأ ما كتب وتُرجم عنه:


ثلاثة مشاعر، بسيطة لكنها غامرة بقوة، تحكمت في حياتي: اللهفة للحب، البحث عن المعرفة، والشفقة التي لا تطاق لمعاناة البشر. هذه المشاعر، مثل العواصف العظيمة، عصفت بي هنا وهناك، في مسار صعب المراس، على محيط عميق من الكرب، يصل إلى حافة اليأس البعيدة.
سعيت للحب، أولًا، لأنه يأتي بالبهجة الشديدة – والبهجة شيء عظيم لدرجة أنني مستعد أن أضحى بباقي عمري من أجل ساعات قليلة من هذه السعادة. سعيت إليه، ثانيًا، لأنه يخفف الوحدة – هذه الوحدة الشنيعة التي تجعل الوعي المرتعش للشخص ينظر من على حافة العالم إلى الجحيم البارد المبهم الخالي من الحياة. سعيت إليه، أخيرًا، لأنه بالتوحد مع الحب رأيت، بصورة صوفية، الرؤية المتنبئة للجنة التي تخيلها القديسين والشعراء. هذا ما كنت أسعى إليه وبرغم أنه ربما يبدو جيدًا جدًا بالنسبة لحياة بشرية، هذا هو ما وجدته، أخيرًا.
بشغف مساوي سعيت إلى المعرفة. تمنيت أن أفهم قلوب البشر. تمنيت أن أعرف لماذا تلمع النجوم. وحاولت أن أدرك القوة الفيثاغورية التي تسيطر فيها الأرقام على تدفق الأشياء. قليل من هذا، وليس الكثير، استطعت أن أحققه. الحب والمعرفة، بحسب ما كانا ممكنين، قاداني إلى أعلى في السماء. لكن الشفقة دائمًا ما أعادتني ثانية إلى الأرض. أصداء أصوات البكاء من الألم تتردد في قلبي. الأطفال في المجاعات، الضحايا الذين يعذبون بواسطة الظالمين، العجائز العاجزين الذين يعتبرهم أولادهم عبئًا مكروهًا، والعالم الكامل من الوحدة، والفقر، والألم، كل هذا يسخر مما يجب أن تكون عليه الحياة البشرية. أنا أتوق إلى تخفيف الشر، لكني لا أستطيع، وأعاني أنا أيضًا. هذه كانت حياتي. وأراها تستحق أن تُعاش، وبكل سعادة سأعيشها مرة أخرى لو منحت لي الفرصة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في وداع مجلس الشورى

 تمضي أعمارنا كومضات. في 1 أغسطس 2005م بدأت أول يوم عمل لي في مجلس الشورى. لقد كانت البداية ، كعادة البدايات، متحمسة. طُلب من أحد الموظفين المتمكنين، والذي سيصبح مديراً لي في بعض السنوات، أن يصطحبنا نحن الذين كنا نُعرف - وقتها- بالموظفين الجدد، في جولة عامة لأقسام المجلس. ببعد نظره كان يحذرنا من الحماسة البالغة التي قد تنتهي بنا إلى خيبات أملٍ وطرقٍ مسدودة، وهو الأمر الذي خبرناه في سنواتٍ لاحقة من حياتنا الوظيفية. بالنسبة لي، كان العمل في مجلس الشورى مدرسة حياتية متكاملة، فقد ساقتني الأقدار للعمل في تقسيماتٍ إدارية مختلفة بالمجلس، فمن اللجان باجتماعاتها المملة غالباً والمثرية أحيانا، إلى شعبة العلاقات الخارجية حيث تطغى الكلمات المحسوبة على المنفلتة، والمجاملات على المصارحات، والسفر على الإقامة،  مروراً بدائرة الشؤون القانونية، التي علمتنا كيف نمشي على حبلٍ مشدود تعلوه السماء وتقبع تحته هوةٌ سحيقة، ونهاية بالأمانة العامة المساعدة للجلسات والدعم البرلماني، حيث تتضح بيادق رقعة الشطرنج في داخل المجلس وخارجه. لقد كان من المُسلي، والمُحزن في نفس الوقت، على امتداد الأيام والأشهر والس...

عزمـي بشارة: سورية الدبابة والمتظاهر

حاجة نظام الى الدبابات للسيطرة على مدنه هي تعبير عن هزيمته. مر أكثر من عام على اندلاع الثورة السورية، أطول الثورات العربية، وإغناها فداء وتضحية، وأغزرها ملحمية، وأتوقها للحرية. إنها الثورة التي حققت الحرية والكرامة لصانعيها قبل أن تنتصر وتحقق الحرية السياسية. ويمكننا الآن الإضافة أن أعداءها كانوا أكثر الناس ثرثرة وزعيقا حول المؤامرة والتدخل الخارجي، ليتيبن أنها الأقل تدخلا خارجيا حتى اليوم. وسبق أ ن بينا في عدة مواقع أنه لا نية لدول الغرب ان تتدخل عسكريا لأسباب شتى، وأن خلافات القوى الديمقراطية السورية حول الموضوع هي خلافات نظرية. وفي حينه لم يصغ كثيرون. وخلطوا الأماني بالتحليل. حتى التسلح دفاعا عن النفس لا يسمح به إلا نادرًا. ولا شك أن من يذكر اطلاق النار الكثيف في الهواء في ليبيا بمناسبة ومن دون مناسبة لا شك قادر على الملاحظة أنه لا يوجد في سوريا من يطلق النار في الهواء لقلة الرصاص. وهذا من سيميائيات الثورة السورية الدالة. يجري تسلح القوى الثورية المدنية السورية، وليس تسليحها، بشق الأنفس. ومن يعارض الدفاع عن النفس لا يعرض على الناس بديلا سوى القتل. فالنظام يفشل اقتراحات اصحاب النوا...