التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عزمـي بشارة: سورية الدبابة والمتظاهر


حاجة نظام الى الدبابات للسيطرة على مدنه هي تعبير عن هزيمته. مر أكثر من عام على اندلاع الثورة السورية، أطول الثورات العربية، وإغناها فداء وتضحية، وأغزرها ملحمية، وأتوقها للحرية. إنها الثورة التي حققت الحرية والكرامة لصانعيها قبل أن تنتصر وتحقق الحرية السياسية. ويمكننا الآن الإضافة أن أعداءها كانوا أكثر الناس ثرثرة وزعيقا حول المؤامرة والتدخل الخارجي، ليتيبن أنها الأقل تدخلا خارجيا حتى اليوم. وسبق أن بينا في عدة مواقع أنه لا نية لدول الغرب ان تتدخل عسكريا لأسباب شتى، وأن خلافات القوى الديمقراطية السورية حول الموضوع هي خلافات نظرية. وفي حينه لم يصغ كثيرون. وخلطوا الأماني بالتحليل.

حتى التسلح دفاعا عن النفس لا يسمح به إلا نادرًا. ولا شك أن من يذكر اطلاق النار الكثيف في الهواء في ليبيا بمناسبة ومن دون مناسبة لا شك قادر على الملاحظة أنه لا يوجد في سوريا من يطلق النار في الهواء لقلة الرصاص. وهذا من سيميائيات الثورة السورية الدالة. يجري تسلح القوى الثورية المدنية السورية، وليس تسليحها، بشق الأنفس. ومن يعارض الدفاع عن النفس لا يعرض على الناس بديلا سوى القتل. فالنظام يفشل اقتراحات اصحاب النوايا الحسنة كافة، ولم يبق على بدائل سلمية في جعبتهم.

إذا استمر الوضع القائم حاليا فسوف يبتعد نموذج الحل السياسي السلمي الذي يشمل تفويض النائب والتحول نحو الديمقراطية بعملية دستورية وانتخابية، أو تزهق روحه تحت جنازير الدبابات. وسوف يقترب للأسف النموذج الصربي. والمفارقة أن روسيا كانت في الحالتين عائقا أمام الحل السياسي، ولكنها لم تتمكن في صربيا من حصر تداعيات فشل الحل السياسي لاحقا، إذ فرض عليها وعلى ميولوسيفتش.

ما هو اكيد أن السوريين لن يتوقفوا قبل تغيير واقعهم السياسي، والتوقف عن التظاهر حين تدخل الحي دبابة، ليس انتصارا للدبابة ولا هزيمة للمتظاهرين. حاجة نظام إلى دبابات للسيطرة على مدنه هي إعلان هزيمته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

برتراند راسل: ما الذي عشت من أجله؟

الصديق بهاء أبو زيد يُترجم لنا مقطعاً مضافاً لبرتراند راسل وهو في عُمر 84 عاماً، إلى الطبعة الجديدة من سيرته الذاتية، فلنقرأ ما كتب وتُرجم عنه: ثلاثة مشاعر، بسيطة لكنها غامرة بقوة، تحكمت في حياتي: اللهفة للحب، البحث عن المعرفة، والشفقة التي لا تطاق لمعاناة البشر. هذه المشاعر، مثل العواصف العظيمة، عصفت بي هنا وهناك، في مسار صعب المراس، على محيط عميق من الكرب، يصل إلى حافة اليأس البعيدة. سعيت للحب، أولًا، لأنه يأتي بالبهجة الشديدة – والبهجة شيء عظيم لدرجة أنني مستعد أن أضحى بباقي عمري من أجل ساعات قليلة من هذه السعادة. سعيت إليه، ثانيًا، لأنه يخفف الوحدة – هذه الوحدة الشنيعة التي تجعل الوعي المرتعش للشخص ينظر من على حافة العالم إلى الجحيم البارد المبهم الخالي من الحياة. سعيت إليه، أخيرًا، لأنه بالتوحد مع الحب رأيت، بصورة صوفية، الرؤية المتنبئة للجنة التي تخيلها القديسين والشعراء. هذا ما كنت أسعى إليه وبرغم أنه ربما يبدو جيدًا جدًا بالنسبة لحياة بشرية، هذا هو ما وجدته، أخيرًا. بشغف مساوي سعيت إلى المعرفة. تمنيت أن أفهم قلوب البشر. تمنيت أن أعرف لماذا تلمع النجوم. وحاولت أن أ

إصدار جديد للدكتورة فاطمة الشيدي

صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر كتاب [ المعنى خارج النص، أثر السياق في تحديد دلالات الخطاب ] للدكتورة فاطمة الشيدي، ومن المتوقع أن يعرض الكتاب بشكلٍ رسمي في معرض مسقط الدولي للكتاب المزمع عقده في نهاية شهر فبراير القادم، جديرٌ بالذكر أن هذا العمل هو الأول في النقد الأدبي للدكتورة، بعد عملها الروائي [ حفلة الموت ] .

نبي المثقفين

خلال الأيام المنصرمة زار السيد جورج طرابيشي سلطنة عُمان، بناءً على دعوةٍ من بعض أبنائها. وقد اهتم المثقفون بهذه الزيارة أيما اهتمام فذاك يريد توقيعاً بخط يد جورج على أحد كتبه، وذاك يخف للقائه في المطار ومصافحته بحرارة، مع أخذ الصور التذكارية للمناسبة، وذاك يحرص على حضور أمسية جورج التي أقيمت بصالة الشركة العمانية للاتصالات بالموالح حتى يحظى بشرف مصافحته والنظر إليه عن قُرب، وآخر يحرص على تسجيل مداخلة في تلك الأمسية، ليشهد التأريخ بأنه قد تداخل مع "المفكر الكبير"، وليذهب مضمون تلك المداخلات إن كانت جيدة أو نصف جيدة إلى الجحيم، وآخر يحرص على أن يجلس معه جلسةً خاصة، فالمهم أن كل مثقف سجل موقفاً مع المفكر الكبير في هذه الزيارة، واستطاع أن يحوز شيئاً ولو ضئيلاً من مسوح طرابيشي.   عندما أتذكر هذه المشاهد يقفز إلى ذهني مباشرةً تبرك الفئة المتدينة بالشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، وكيف أن كثيراً منهم يحرص على تقليده في أمور كثيرة عن علمٍ أو جهل، بل ويحرصون على حضور محاضراته، وتسجيل سؤالٍ فيها حتى يستفسروا عن أمرٍ يكونوا قد جهلوه، أو ربما للفت أنظار الشيخ إليهم، كما يقفز إل